مجموعة أبو عضل: إرث الأيقونات المسيحية الشرقية يجد موطنه في متحف اللوفر
تُعدّ عملية استحواذ متحف اللوفر على مجموعة أبو عضل المكونة من 272 أيقونة مسيحية شرقية تعود إلى الفترة من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين، علامة فارقة في تقدير وحفظ الفن المسيحي الشرقي. هذه المجموعة التي تم جمعها بدقة على مدار عقود من قبل عائلة أبو عضل اللبنانية، ستصبح حجر الزاوية في قسم الفنون البيزنطية والفن المسيحي الشرقي الذي سيُفتتح في متحف اللوفر عام 2027.
إرث من جمع الفن بشغف
تعود أصول مجموعة أبو عضل إلى أوائل الخمسينيات في لبنان، الذي كان يُعرف آنذاك بـ “سويسرا الشرق”. في عام 1952، اقتنى جورج أبو عضل أول أيقونة له، مما أشعل شغفه بالفن المقدس الشرقي. على مدار العقدين التاليين، جمع جورج مجموعة من الأيقونات التي لم تكن تحظى بتقدير كبير في الغرب، بهدف حفظ هذا الإرث الفني. قام ابنه فريدي أبو عضل باستكمال هذا المسعى في التسعينيات، حيث قام بتوسيع المجموعة بشكل ملحوظ من خلال مشاركته في مزادات دولية وملء الفجوات الزمنية والجغرافية في المجموعة. وقد أكد فريدي أن المجموعة تروي قصة عائلية بقدر ما تروي قصة فنية وروحية، مع كل أيقونة تعكس اليد التي صنعتها وكرستها وحفظتها.
تنوع جغرافي وزمني استثنائي
ما يميز مجموعة أبو عضل هو نطاقها الجغرافي والزمني الواسع. إذ تضم 272 قطعة تمتد على خمسة قرون، مما يوفر رؤية شاملة للتقاليد المختلفة للأيقونات المسيحية الشرقية. إذ توجد أيقونات يونانية إلى جانب أعمال من البلقان، روسيا، ترانسيلفانيا، ووالاشيا. تضم المجموعة أيضاً أيقونات كريتية نادرة تعود إلى القرن الخامس عشر، متأثرة بالفن الفينيسي، وأعمال أخرى من البلقان تحمل تأثيرات عثمانية، بالإضافة إلى أعمال بارزة على الطراز “برنكويني” من والاشيا، وهو مزيج فريد من عناصر بيزنطية وغربية.
تتمثل خصوصية هذه المجموعة في تجميعها الكثيف لأيقونات ليفانتية وملكية، التي توفر شهادة استثنائية على الفن المسيحي الناطق بالعربية في سوريا ولبنان والقدس في القرنين السابع عشر والثامن عشر. كما تبرز الأعمال التي تعكس النهضة الفنية التي صاحبت انتعاش البطريركية اليونانية في أنطاكية، خاصة في ورشات حلب التي كانت بمثابة ملتقى ثقافي وتجاري بين الشرق والغرب.
روائع فنية وندرة في الموضوعات الأيقونية
من بين القطع البارزة في المجموعة، هناك أيقونة كبيرة تصور المجمع المسكوني الأول في نيقية (325م)، وهي نادرة جداً، ويُعتقد أنها أُنتجت في القرن السابع عشر. تصور هذه الأيقونة تجميع 318 من آباء الكنيسة الذين وضعوا عقيدة نيقية. كما توجد أيقونة “عيد الأرثوذكسية”، التي تحتفل بإعادة تكريم الأيقونات بعد فترة الاضطهاد الذي تعرضت له في الإمبراطورية البيزنطية بين 726 و843م.
تحتوي المجموعة أيضًا على العديد من الأيقونات “الحياتية”، حيث يحيط بالمشهد المركزي للقديس مشاهد سردية توضح أهم أحداث حياته، مثل الأيقونة الخاصة بالقديس يعقوب الفارسي، الذي استشهد في القرن الخامس لرفضه التنازل عن إيمانه المسيحي.
المعارض العامة والتقدير الأكاديمي
قبل استحواذ متحف اللوفر على المجموعة، تم عرض مجموعة أبو عضل في معارض هامة. كان المعرض الأول في متحف كارنافاليه في باريس عام 1993 تحت عنوان “أيقونات عربية: الفن المسيحي من بلاد الشام”، وقد شكل هذا المعرض اكتشافًا للفن المسيحي الشرقي لأول مرة للكثير من الزوار. في عام 1997، تم عرض مجموعة أكبر في متحف الفن والتاريخ في جنيف، حيث تم توسيع نطاق المعرض ليشمل مدارس فنية مختلفة، مما ساعد على تصنيف الأيقونات بشكل أكثر دقة وتقديم مقارنة بين الأساليب المختلفة.
التزام متحف اللوفر بالفنون البيزنطية والمسيحية الشرقية
يُعد استحواذ متحف اللوفر على مجموعة أبو عضل خطوة حاسمة في الاعتراف بالفن ما بعد البيزنطي، الذي تم تجاهله في الغالب في الأدبيات الغربية. ستلعب هذه المجموعة دورًا أساسيًا في تأسيس قسم الفنون البيزنطية والفن المسيحي الشرقي في المتحف، الذي سيجمع ما يزيد عن 12,000 عمل فني، مما يعكس ثراء وتنوع التعبيرات الفنية المسيحية عبر الأراضي الممتدة من إثيوبيا إلى روسيا ومن البلقان إلى الشرق الأوسط.
التطورات المعمارية والمعارض المستقبلية
لإفساح المجال لهذا القسم الجديد، قام متحف اللوفر باختيار مكتب WHY Architecture مع الشركة الفرنسية BGC لإعادة تصميم مساحة تبلغ 5,500 متر مربع. من المتوقع أن تفتح هذه المساحات أمام الجمهور في عام 2027. وفي الفترة الانتقالية، سيُعقد مؤتمر دولي بعنوان “اللحم والذهب: آفاق حول الأيقونة، من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين” في 7 و8 أبريل 2025، بالتعاون بين اللوفر وكلية فرنسا ومدرسة اللوفر. سيجمع المؤتمر خبراء من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط لمناقشة أهمية هذه المجموعة.
الاعتراف العالمي بالتراث الثقافي اللبناني
إن استحواذ متحف اللوفر على هذه المجموعة من الأيقونات اللبنانية هو تكريم للبنان وشعبه، وبشكل خاص لعائلة أبو عضل. كما يبرز الاعتراف العالمي بالإرث الثقافي اللبناني وأهمية التعاون الدولي في حفظ وتوريث هذا التراث الفني للأجيال القادمة.
إن دمج مجموعة أبو عضل في متحف اللوفر لا يثري مقتنيات المتحف فحسب، بل يضمن أيضًا الحفاظ على إرث فني مهم ويتيح للزوار من جميع أنحاء العالم فرصة التفاعل مع هذه الأيقونات، التي تجسد مسعىً يمتد لآلاف السنين لتمثيل الإلهي.