تشارك

معرض “كونتيمبوراري إسطنبول” يتألق وسط التحديات الاقتصادية ويضع نغمةً مليئةً بالأمل لاحتفاله بالذكرى العشرين.

 

مرتفعاً فوق إحدى تلال إسطنبول السبع الشهيرة، يبرز برج “بايزيد” الذي يعود إلى القرن الثامن عشر كمنارة طقس تُشعل كل ليلة بلونٍ مختلفٍ للتنبؤ بالطقس في المدينة؛ اللون الأحمر للثلوج، والأصفر للضباب، والأخضر للمطر، والأزرق للسماء الصافية. هذا العام، أضاء البرج باللون الأزرق تزامنًا مع افتتاح “كونتيمبوراري إسطنبول”، المعرض الفني الأبرز في المدينة، في أحواض بناء السفن العثمانية التاريخية على ضفاف البوسفور، التي تم تطويرها لتصبح موقعًا ثقافيًا فاخرًا يطل على “القرن الذهبي”. وعلى ضفافه، عاد معرض “ذا يارد” للنحت في الهواء الطلق في نسخته الرابعة، تحت إشراف مدير متحف الفن والتاريخ في جنيف، مارك-أوليفييه واهلر. وحملت منحوتات هذا العام ثيمة الحيوانات، مما أضفى على المعرض أجواء حديقة حيوانات معاصرة، حيث تميزت بعض الأعمال، مثل المنحوتات البازلتية المجعدة من كاظم كاراكايا، بلمسات تعيد إلى الأذهان تكريم “مو دينغ” لو لم تُصنع في ٢٠١٢، وأشكال من الفولاذ البسيط من نفس الفنان.

 

تجمع عالمي: معرض يضم ٥٣ معرضًا من ١٤ دولة

 

جمعت النسخة التاسعة عشرة من “كونتيمبوراري إسطنبول” ٥٣ معرضًا فنيًا من ١٤ دولة، مع تركيزٍ خاصٍ هذا العام على الفن الإسباني وأمريكا اللاتينية. من أبرز الأعمال كانت اللوحات التجريدية التعبيرية من معرض “خوسيه دي لا مانّو” من مدريد، وخاصةً أعمال “جوزيف تيردجان”، الفنان اللبناني التركي الحداثي الذي اجتذبت أعماله الحضور بشدّة. كما أثارت ألكسندرا رييدر، الممثلة لمعرض “أندريا رييدر آرت كونتيمبورانيّا” من ساو باولو، إعجاب الجمهور بمشاهدها النباتية الطبقية، حيث مزجت الصور مع الأكريليك لتخلق عمقًا ساحرًا. واستضاف المعرض أيضًا عرضًا مصغرًا بعنوان “وُلدوا في السبعينيات”، من إشراف مدير متحف “رينا صوفيا” السابق خوان مانويل بونيت، وضم فنانين إسبان مثل غييرمو مورا وماريا بيلتران. وبينما تنوعت الآراء حول هذا العرض، فقد قدم رؤى فنية عن تطور الفن الإسباني المعاصر. كما عاد معرض “غاليريا جوان غاسبار” من برشلونة بمشاركة قوية هذا العام، عارضًا أعمالًا كلاسيكية لميرو، بيكاسو، ودالي، معززًا مشاركته المستمرة في “كونتيمبوراري إسطنبول” منذ ٢٠١٥.

 

مشهد فني ناشئ واسماء راسخة من إسطنبول

 

لعبت المعارض المحلية في إسطنبول دورًا مهمًا في المعرض، على الرغم من أن الأسماء الكبيرة كانت الأكثر حضورًا. ومن بين الفنانين الصاعدين برزت أعمال سين إيجيلي الخزفية النباتية في معرض “أو جي غاليري” التي أضافت لمسةً ناعمةً وأصيلةً للمعرض. لكن التميز الحقيقي كان للمعارض الكبرى مثل “بيلفنيلي غاليري” التي جذبت الأنظار بأعمال الفنان علي إلماجي الملونة والجريئة. تنوعت أعمال إلماجي بين منحوتات جدارية ومنحوتات يدوية ممسكة بباقة من الزهور، وأعمال أخرى تحمل طابعًا مسليًا تركت بصمة لدى الحضور. وأيضًا، برزت المنحوتات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها، مثل تماثيل الكلاب ذات الطابع الأكاديمي الغامق لمغيل أباريسي، بالإضافة إلى “اليراعة” اللافتة التي صنعها إدغار غريغوريان في معرض “غاليري ٧٧”.

 

جاذبية دولية ولمسات بوهيمية من الخارج

 

في حين ركزت العديد من المعارض المحلية على الأعمال التقليدية، تميزت بعض المعارض الدولية بلمسات إبداعية أضافت حيوية إلى الحدث. ومن بين هذه المعارض، برزت اثنتان من براغ بشكل خاص: “ترافو غاليري” التي جمعت بين مشاهد داخلية مصنوعة من معدن مطلي بواسطة الفنان بافل دوشيك وخلفيات وردية مخملية مع رؤى خضراء حيوية لإيستر كنابوفا، بينما عرضت “كاربوشينا غاليري” أعمالًا مختلطة الوسائط للفنان جوليوس ريخيل، تميزت بشخصيات كالديناصورات ورواد الفضاء المصنوعة من القماش والخشب. وجاءت اختيارات معرض “غاليريا ستوديو جي ٧” من ميلانو كلمسة مهدئة، ضمت أعمالًا بارزة مثل الأعمال الهندسية الظريفة لديفيد تريملت، والأعمال الدقيقة لغريغوريو بوتا المصنوعة من أصباغ طبيعية وشمع وورق الأرز.

 

نحو المستقبل: النسخة العشرون من “كونتيمبوراري إسطنبول”

 

في تحول كبير، ستنتقل النسخة العشرون من “كونتيمبوراري إسطنبول” إلى موعد دائم في سبتمبر، بالتزامن مع عودة بينالي إسطنبول ومهرجان فني جديد على طول القرن الذهبي. يرمز هذا التغيير إلى التزام متجدد بدعم المشهد الثقافي في إسطنبول، رغم الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد. هذا العام، ركز المعرض على توفير أعمال بأسعار مناسبة، تهدف إلى تشجيع جيل جديد من مقتني الفنون للتفاعل مع الفن المعاصر. وعلى الرغم من التحديات، فقد كانت الأجواء في المعرض مليئة بالتفاؤل، حيث شهدت العديد من المعارض مبيعات قوية واهتمامًا واضحًا من المشترين الشباب. بالنسبة للمشهد الفني في إسطنبول، تبدو التوقعات واعدة، متوافقةً مع التفاؤل الذي أضاءه برج “بايزيد” — سماءٌ زرقاء ومستقبلٌ مشرق لمدينةٍ يزدهر فيها الفن بالرغم من كل الظروف.