في ذكرى سامية عسيران جنبلاط: أيقونة الفن اللبناني (١٩٤٤–٢٠٢٤)
في ٣ ديسمبر ٢٠٢٤، ودّع العالم سامية عسيران جنبلاط، الفنانة اللبنانية الرائدة التي تركت بصمة لا تُنسى في عالم الفن تخطّت حدود وطنها. رحيلها عن عمر يناهز الثمانين عاماً يمثل نهاية حقبة في الفن الشرق أوسطي، تاركاً وراءه إرثاً من الإبداع والإثراء الثقافي والتفاني المستمر لفنها.
رحلة إبداعية مميزة
وُلدت سامية عسيران جنبلاط في صيدا، جنوب لبنان، عام ١٩٤٤، ونشأت وسط غنى الطبيعة اللبنانية وتنوّعها الثقافي. برز شغفها بالفن في سن مبكرة، مما دفعها إلى الحصول على شهادة بكالوريوس في الفنون الجميلة من كلية بيروت للبنات (التي تُعرف اليوم بالجامعة اللبنانية الأميركية) عام ١٩٦٥. واصلت دراستها في فلورنسا، إيطاليا، حيث حصلت على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة من معهد بيوس الثاني عشر عام ١٩٦٧، ممهدة الطريق لمسيرة فنية لامعة.
رحلة تألق وإبداع
تميّزت مسيرة سامية عسيران جنبلاط الفنية بالبحث الدائم والتجديد المستمر. شكلت فترة دراستها في اليابان في السبعينيات، حيث درست فن الجرافيك في جامعة الفنون الجميلة في طوكيو، نقطة تحول في حياتها الفنية. تأثرت بعمق برقي وبساطة الفن الياباني، مما أضاف بُعداً جديداً إلى أسلوبها، فمزجت بين الجماليات الشرقية والتأثيرات الشرق أوسطية.
عند عودتها إلى لبنان، كرّست نفسها للتعليم، حيث قامت بتدريس جيل جديد من الفنانين في جامعتها الأم. وفي عام ١٩٧٧، أسّست مشروع “الأرتيزانا” في صيدا وجنوب لبنان، وهو مبادرة تهدف إلى تمكين النساء من خلال الفن. عززت قيادتها لهذا المشروع مكانتها كقائدة ورائدة إنسانية.
الطبيعة، الكون، والهوية
كانت أعمال سامية عسيران جنبلاط بمثابة قصيدة شاعرية للطبيعة والكون. تكررت في لوحاتها رموز الزهور، المناظر الخضراء، والعناصر السماوية، لتجسد النمو، والتناغم، والرقص الأبدي للحياة. تميزت أعمالها بأسلوبها الفريد الذي يجمع بين الدقة الجرافيكية والتجريد الشعري، مما أكسبها شهرة واسعة في معارض عالمية شملت فلورنسا، بيروت، أوساكا، وطوكيو.
كان مشاركتها في بينالي البندقية لعام ٢٠٢٤، حيث تم الاحتفاء بأعمالها لجمالها المعقد وعمقها الثقافي، إنجازاً بارزاً في مسيرتها الفنية الطويلة. كانت هذه المشاركة شهادة على استمرارية تأثيرها العالمي وجاذبية فنها.
خسارة شعر بها العالم بأسره
خبر رحيل سامية عسيران جنبلاط ترك فراغاً عميقاً في المجتمع الفني. انهالت عبارات الحزن والتقدير من الفنانين، النقاد، والمحبين الذين استلهموا من أعمالها المبدعة والتزامها بفتح حوار ثقافي من خلال الفن.
إرثها النابض بالحياة سيبقى خالداً في لوحاتها، ومبادراتها المجتمعية، والعديد من الأرواح التي أثّرت بها. قصة سامية عسيران جنبلاط ليست فقط قصة تألق فني، بل هي أيضاً قصة حياة مكرسة للاحتفاء بالجمال، الطبيعة، والإنسانية.
ونحن نودّعها بحزن، نحتفل أيضاً بتأثيرها العميق على العالم. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وليستمر فنها في إلهام الأجيال القادمة.