توقع أكاديميون وخبراء ظهور سمات أكثر تطوراً لنُظم العملية التعليمية في الإمارات خلال السنوات المقبلة، ستشهد سيطرة كبيرة للتكنولوجيا الرقمية؛ من أبرزها اختفاء المدرسة بشكلها التقليدي لتكون أشبه بـ(مدرسة بلا أسوار)، واعتماد التعليم الافتراضي، واتباع أسلوب التعليم بالمرح
وأكدوا أن التعليم سيشهد هذا التغيير خلال أقل من خمس سنوات، ومن ثم يحتاج هذا التطور الكبير إلى جاهزية في البنية التحتية الرقمية، مؤكدين أن دولة الإمارات بما تتمتع به من بنية تحتية ذكية ورؤية استباقية لتطوير منظومة التعليم، ستكون من أوائل الدول التي ستتفاعل مع هذا التطور
وتفصيلاً؛ قال مدير جامعة دبي، الدكتور عيسى البستكي، إن التعليم مرتكز أساسي في الدول المتقدمة، ويعتبر أساساً ثابتاً ولا تطور من دونه، مشيراً إلى أن التعليم في التاريخ البشري الحضاري هو العمود الفقري للحضارات المتقدمة، وسبب لاستمرارية هذه الحضارات
وأضاف: «مع مرور الزمن طرأت على التعليم تطورات متتالية بين حين من التباطؤ وحين من التسارع، ولكن مع حلول القرن الحادي والعشرين بدأت ثورة التكنولوجيا تتطور وتتضاعف وتحدث طفرات زمنية غير مسبوقة، حتى أصبح الزمن غير قادر على التماشي مع هذه التغيرات التقنية، وهنا يأتي دور التعليم في تطبيق التكنولوجيات المتقدمة لتطوير العملية التعليمية حسب متطلبات العصر»
وتابع البستكي، أن دولة الإمارات بدأت في تطبيق التعلم الذكي، وذلك بقرار من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في عام 2012، لتطبيق برنامج التعلم الذكي في مدارس الدولة بميزانية تقدّر بمليار درهم من صندوق دعم الاتصالات وتقنية المعلومات، وعندما اجتاح العالم فيروس كورونا (كوفيد-19) أخذت قيادة الدولة على عاتقها استمرار العملية التعليمية، حيث قال سموه: «ستغلق المدارس والجامعات ولكن سيستمر التعليم»، حيث كانت الدولة مستعدة لتطبيق التعلم عن بعد
وحول مستقبل التعليم خلال الخمسين عاماً المقبلة، قال البستكي: «إن مستقبل التعليم يحتم تسخير وتطويع وتوظيف الابتكارات التكنولوجية في الارتقاء بدعائم التعلم، ونشر ثقافة التعليم الذكي والتعلم مدى الحياة؛ كونها الضمان الأقوى لاستمرار العملية التعليمية في ظل الظروف الطارئة والمتحولات المتسارعة التي يشهدها العالم»
ورأى أن «التعليم الهجين» الذي يجمع بين «التعليم المباشر» في قاعات الدرس و«التعليم الإلكتروني» الذي يركز على التكنولوجيا، هو النموذج الذي سيضع حجر الأساس لاستدامة التعلم في الظروف الطبيعية والطارئة وفق إطار ذكي بالكامل يلبي احتياجات الدارسين في أي زمان ومكان عبر الاستفادة من ثورة التكنولوجيا وتقنية المعلومات
وأوضح أن من أهم أدوات تطوير التعليم في المرحلة المقبلة؛ تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز وإنترنت الأشياء، والتي ستطور العملية التعليمية، مشيراً إلى أن التعليم في المستقبل يتجه نحو طفرة تعليمية لا يمكن تصورها في الوقت الحالي
وأشار البستكي إلى أنه بناءً على التطورات التكنولوجية سيكون التعلم في المستقبل من أي مكان وفي أي وقت ومن أي جهاز ومن أي معلم أو أستاذ جامعي؛ لذا لن نحتاج إلى مبانٍ، لأن التعلم سيكون متاحاً خلال الـ24 ساعة، لافتاً إلى أن المعلم والمنهاج ولوائح التعليم وزمن التعلم سيتسمون بالمرونة خلال السنوات المقبلة، ما سيؤدي إلى تقليص المدة الزمنية للتخرج من أربع سنوات إلى سنة واحدة أو أقل، كما سيتم تقليص عدد سنوات التعلم المدرسي إلى تسع سنوات، ومن ثم سيتخرج الطالب عندما يحصل على البكالوريوس في زمن قياسي بدءاً من الابتدائي وحتى البكالوريوس في مدة تصل إلى 10 سنوات
وذكر أن التكنولوجيا المتقدمة ستلعب دوراً رئيساً في الطفرة التعليمية؛ منها تطبيق الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين والأمن الإلكتروني والميتافيرس والسحابة الحاسوبية والطباعة ثلاثية الأبعاد والبيانات الضخمة
وقال خبير أداء برنامج قيادات مجلس الوزراء، الدكتور سالم السالم: «من المُلاحظ أن الفارق بين كل ثورتين صناعيتين من الأولى إلى الرابعة مدة زمنية تصل إلى 100 عام، إلا أنه بعد الثورة الصناعية الرابعة بات هناك تسارع رقمي في مدة لا تجاوز خمس سنوات؛ فالتطور الذي يشهده العالم زاد تسارعه 40 مرة عن السنوات الماضية، ما يؤكد أن المدارس ستختفي، وسيكون هناك مدارس بلا أسوار، وسيحدث ذلك في أقل من 10 سنوات»
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة في التعليم ستشهد اختفاء أسلوب التلقين والكتب، موضحاً أن الأطفال بحاجة إلى الدخول للجيل الثالث من التعليم وهو «التعليم بالمرح أو بالمتعة»، إذ ستعتمد كل الوسائل والبرامج المحيطة بالمدارس بعد نهاية الدوام الرسمي على الألعاب والتكنولوجيا، مؤكداً أنه في حال «ظلت مدارسنا على الأسلوب التقليدي سيُختطف أبناؤنا»
من جانبها، قالت مديرة تطوير برامج اللغة العربية والدراسات الإسلامية في مجموعة جيمس للتعليم، ماري سعد: «من الضروري إعادة تصور العملية التعليمية وتقديم برامج تدريس مبتكرة ومتطورة، وكذلك تشكيل مجتمعات مدرسية مرنة»
وأضافت: «نؤمن بأن التعلم مدى الحياة في ظل رؤية جريئة وطموحة يفتح الآفاق أمام مسيرة ناجحة من العمل والتفوق، وهذا ما تجسده دولة الإمارات من خلال سياسات ومبادراتها واستثماراتها