الحالمون: فن ماجد عبد الحميد البطيء كمقاومة بالخيط والإبرة
في معرضه الفردي الأول في لندن بعنوان الحالمون، يحوّل الفنان الفلسطيني ماجد عبد الحميد مساحة “سيل بروجكت سبيس” إلى ملاذ من التأمل والبُطء. يُقام المعرض من ٢٨ آذار حتى ٢٥ أيار ٢٠٢٥، ويعرض أعمال عبد الحميد النسيجية التي تجمع بين الذاكرة الشخصية، والتاريخ السياسي، والعمل التأملي.
التطريز كأداة للمقاومة
يستخدم عبد الحميد التطريز ليس كمجرد حرفة، بل كوسيلة للتوثيق، والتفكّر، والرفض. تُظهر غُرزُهُ، التي كثيرًا ما تكون متذبذبة وغير مثالية، تراكم الزمن وعمله المتأنّي كفعل مناهض لوتيرة الحياة المتسارعة والمنطق الخوارزمي للعصر الرقمي. من خلال احتضان البطء والتكرار، يتحدى عبد الحميد ثقافة الاستغلال الأمثل للوقت في المدن الكبرى مثل لندن.
إعادة تشكيل النظام الثنائي:
الحالمون (رمز)
في سلسلة الحالمون (رمز) (٢٠٢٤–)، يُعيد عبد الحميد تصور منطق النظام الثنائي لبطاقات نول جاكار — وهي تقنية نسيج أوروبية من القرن التاسع عشر تعتبر أساسًا في تطور الأتمتة والحوسبة. باستخدام أقمشة مهملة جُمعت في بيروت، يفككها ويعيد نسجها على شكل دوائر صغيرة، كل دائرة تمثل قماشة مختلفة. تُمثل هذه الغُرز نمطًا “معطّلًا” من الكود الثنائي، يُحدث انزلاقات ضمن النظام ويُقوض ترتيبَه المنهجي.
مستقبلات مفتوحة:
الحالمون (عرّافات الحظ)
تُكمل سلسلة الحالمون (عرّافات الحظ) (٢٠٢٥–) هذا التفكير بمستقبلات غير محددة. على شكل “سجادة” مكونة من أكثر من ٦٠٠ عرّافة قماشية، تُشبه ألعاب الأطفال الورقية. على عكس تلك التي تحتوي على إجابات مكتوبة، هذه القطع لا تحمل أي نص، ما يترك مساحة للخيال الحر. خلال الأسبوعين الأخيرين من المعرض، يُسمح للزوار بأخذ واحدة مجانًا، كفعل مضاد لثقافة التبادل التجاري في المدن الكبرى، حيث نادرًا ما يُمنح شيء بلا مقابل.
صور للثورة:
١٢–٢٣ (نهاية فصل)
في الطابق السفلي، يُعرض عمل من سلسلة ١٢–٢٣ (نهاية فصل) (٢٠١٢–٢٠٢٣)، والتي تتكون من صور مطرّزة لمحمد البوعزيزي، بائع الفاكهة التونسي الذي أضرم النار في نفسه في ١٧ كانون الأول ٢٠١٠، وأشعل بذلك شرارة الثورة التونسية والربيع العربي. بدأت السلسلة بدعوة امرأة من قرية فرخة في الضفة الغربية لتطريز أول صورة، ثم شاركت سبع نساء أخريات، وأكمل عبد الحميد الصورة التاسعة. على مدار أكثر من عقد، تطورت الصور تدريجيًا وتلاشت أشكالها حتى بقي اسم البوعزيزي فقط، مطرزًا على وسادة بيضاء باستخدام خيوط متبقية من الصور السابقة. تُجسّد هذه العملية دورات من التكرار والتخلي والعودة، وتُمثّل في الوقت ذاته ترحال الفنان عبر سياقات سياسية متغيرة.
تفاعل مجتمعي: ورشة
الأنوال
رافق المعرض تنظيم ورشة الأنوال، التي دعت مجموعة “Blackhorse Activators”، وهي مجموعة من الشباب المبدعين، للتفاعل مع أعمال عبد الحميد من خلال التطريز. مستلهمين من مفاهيم البطء والتكرار، ناقش المشاركون إمكانية إيجاد مساحة للتأمل والصناعة الحرة ضمن إيقاع لندن السريع، وابتكروا قطعًا خاصة تعبر عن تلك التأملات.
من خلال الحالمون، يقدّم ماجد عبد الحميد مساحة تأملية تتحدى وتيرة الحياة السريعة. أعماله النسيجية تُعد أفعالًا هادئة من المقاومة، تدعو المشاهد إلى التباطؤ، التفكر، وتخيّل مستقبل بديل غير مقيّد بالسرديات المسبقة.